تعرف موسوعة علم النفس والتحليل النفسي التعصب بأنه اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معينا او جماعة معينة او موضوعا معينا إدراكاً ايجابياً محباً او سلبيا كارها دون ان يكون لذلك ما يبرره من المنطق او الشواهد التجريبية . فالتعصب اذن اتجاه داخل النفس الانسانية يؤيد او يعارض اي موضوع خارجي وهذا التأييد ربما يأخذ صور متعددة الدرجات من تأييد تام الى رفض تام . ان مشكلة التعصب لدى الانسان المعاصر هي مشكلة اطلاق احكام لا مبرر لها ولا يفكر بالتراجع عنها وخصوصا الاحكام عن المذهب الديني ( سني - اباضي– شيعي – سلفي ) او عن الدين (الاسلامي – المسيحي ) هذه الاحكام يعتقد من يطلقها انها عين الصواب ولا شئ غيرها صحيح ، هذا الاطلاق المحكم للحكم على وصف الناس بأن هذا الشخص شيعي متعصب او سني متعصب او اباضي متعصب او سلفي متعصب او مسيحي متعصب او مسلم متعصب لا يختلف الأمر في شخصية مطلق هذا الحكم عما يحدث للفرد عندما تستبد به عوامل الصراع الداخلي فتعتل شخصيته ويختل توازنه ويصبح في عداد المرضى وهو ينم عن اضطراب في ميزان الصحة العقلية لدى الفرد او الجماعة .
ان اتهام الفرد لاي شخص كان في المجتمع ، يتعايش معه ، يشاركه المواطنة في نفس البلد ، يتفق معه في التكوين الجسدي كإنسان وفي السلوك وفي التعامل وفي المشاعر نحو قضية ما يكفي لأن يتسامى بسلوكه نحو الانسانية اكثر مما هو نحو المذهبية او الدينية المتعصبة بدعوة الحفاظ على المذهب وصيانته او الدين وحمايته .
اننا حين نناقش فكرة سيادة الاتجاهات التعصبية على سلوك الانسان المعاصر نضع فكرة التعصب الديني – المذهبي على رأس القوى التي تحرك الانسان وتوجه سلوكه وتكون بعد ذلك القوة الدافعه الاولى في كل تعاملاته وسلوكه ليحل محلها بالتدريج ويتقدم عليها دافع آخر وقوة اخرى اشد قوة واعصى بكثير من التعصب المذهبي او الديني وهي قوى العنف والعدوان والتدمير كما يقول سيجموند فرويد .
ان التعصب الديني والمذهبي يقود الانسان الى اشد انواع الفتنة داخل النفس وهو ما عبروا عنه جماعة التحليل النفسي بقولهم وهذا الصراع تدور رحاه في اعماق النفس الانسانية ، وكل نفس إنسانية تعتقد بهذا التوجه وتؤيده وتدعمه بما اؤتيت من القوة او المال او الدعم المعنوي او اشاعته بين افراد المجتمع الواحد او المجتمعات سوف يرتدي للعنف والسلوك العدواني ألف قناع وقناع فينتهي الامر به الى تقويض البناء النفسي للانسان اولا وتحويله الى سلوك حيواني ، ويقول عالم التحليل النفسي (فرج احمد فرج) على الاقل ما يصدر عن الانسان تشويهه للانسان الاخر وإلحاق الاذى به فإذا بالحب يتحول الى كراهية ، وإذا بالوفاء ينقلب الى غدرا، غدرا وخيانة .
عندما يتحول التعصب المذهبي – الديني الى سادية :
ان التعصب المذهبي خصوصا والتعصب الديني عموما لابد ان يأخذ مسار العنف شاء الفرد المتعصب ام ابى ، ولا فرق بين متعصب ناعم لطيف او متعصب خشن ، كلاهما تنبع اتجاهات التعصب لديهما من ذات مريضة عقليا ، فالمتعصب مريض عقليا يحرض الناس الى لبس رداء المرض بصورة التعصب ، اما سكوته فهو تعبير بما يجول بداخله من نزعات لا يعرفها الا من خبر النفس الانسانية ودرس علم نفس الاعماق بدقة العارف بالنفس لذا فهو يعبر "المتعصب" الى نزعة التمرد الموجودة بداخله وفي نفسه لكل ما هو معتدل ومحايد وموضوعي وعقلاني خصوصا في مجال العقيدة الدينية كأن يكون المتعصب شيعيا ام سنيا ام سلفيا (مسلما او مسيحيا) فإن المتعصب يقحم نفسه في شؤون الاخرين ويجعل من الهوة تباعد بينه وبين الناس الاخرين .
يقول "مصطفى زيور" ان تبرير التعصب هو في اختبار كبش الفداء ، فالشيعي يجعل من السني كبش الفداء بسبب تعصبه ، والسني يجعل من الشيعي كبش الفداء لموالاته او تأييده لجهة معينة او لسياسة معينة في بلد مثل العراق وكذلك الحال في لبنان وبعض الدول التي يتواجد فيها الكثير من الاتباع لهذين المذهبين ، او بين المسلمين والمسيحين ، وتفسير ذلك ان الشيعي او السني او السلفي المتشدد او المسيحي الصق التهمة بالمقابل وابعدها عن نفسه وهي النرجسية بذاتها
( النرجسية نسبة الى نرجس في الاسطورة اليونانية الذي اغرم بحب نفسه ) .
ان التعصب وسيلة للدفاع عن النفس ، واية نفس يقصدها ، هي اوهام القدرة المطلقة التي تبعث الشعور بالامان وتزوده بالطمأنينة في حضور الاخرين من الاشياع والتابعين للمذهب او الجماعة او الدين . وبذلك فان القائد او الامير او المرجع الديني الذي يجيز العنف السادي كسلوك في اقامة هذا المذهب والحفاظ على بيضة الدين من الاخرين المعادين للمذهب او الدين فأنه يشير الى تلك المتعة واللذة التي يستشعرها الانسان عندما يلحق الاذى بغيره من الناس تتجلى السادية في علاقة الفرد بالاخرين المغايرين له بالمذهب او الدين حتى وان كانت دعوات الدين الصادقة بنبذ العنف والعدوان ضد الآخر من المغاير بالمعتقد مهما كان نوعه ، الا ان الحيلة الشرعية تأخذ بنظر الاعتبار في التفسير والتأويل تحت غطاء الايات القرانية او النصوص الانجيلية او الفتاوى المذهبية او ما قاله السلف الصالح .
ان دراسة المنحرفين من "الساديين" تبين لنا كما يقول"فرج احمد فرج" "ان لدى هذا الصنف من المرضى المنحرفين "يصبح الاذى في ذاته مصدر متعة ولذة ، وفي اقصى حالات السادية وأكملها يقوم فعل "القتل" مقام فعل التقرب للمذهب والاعتقاد الجازم باحقيته التامة في السيادة على الجميع ، وعلى الجميع الخضوع له بدون مناقشة ، وهي الصورة الصارخة للتعصب المذهبي او الديني عندما يأخذ صور صارخة من تمزيق الاوصال وبتر الاعضاء وبقر البطون وحز الرؤوس وقطعها من الوريد الى الوريد بحجة الجهاد او محاربة الكافر من المذهب الآخر او التنكيل بالخارجين عن الدين او عن المذهب لغرض اصلاح سنة النبي محمد (ص) او من يعادون مذهب آل البيت (ع).
اما الصورة المخففة واللطيفة والمحسنة والتي يدعي من يؤمن بأنه من غير المتعصبين كلما تحدثت معه وقال لك انني غير متعصب ولكني من محبي آل البيت او من يؤمن بالسلف الصالح او انه لا يفرق بين سني او شيعي او مسلم او نصراني او يهودي والناس لدي سواسية الا بافعالهم فالسلوك المتوقع لدى هذه الشريحة من الناس يكون في صور مثل توجيه الاهانه والتجريح والقسوة والغلظة في القول والاتهام وتحميل جميع من يؤمن بهذا المذهب او ذاك بأنه مع المحتل او مع المجاهدين او مع السلطة والنظام او من المستفيدين من الكل .
ان التعصب الديني والمذهبي يوفر الوقود الكافي لاشعال انواع الانفجارات داخل المجتمع الواحد مهما كان متماسكا ، هذا الوقود ينجح في ممارسة الافعال السادية بعينها ضد الاخرين من المذاهب والاديان الاخرى المتمثلة في القتل ، الضرب ، الاعتداء ، التعذيب، التشفي والتحقير ، التجريح ، الاهانة والاذلال ، الاتهام بالباطل والاعتقال .. الخ هذه الصور من السادية المنظمة التي تمارس تحت غطاء المذهب الديني او الاختلاف في الدين انما هي تتستر بقناع السلطة –سلطة الدولة في ممارساتها الاعتقال والتعذيب وغير ذلك وترى الدراسات النفسية المتخصصة بذلك : ربما يقابل تعصب الدولة وممارستها العنف المنظم بعنف جماهيري منظم كما هو حال المذاهب والميليشيات التابعة لها او الجماعات الارهابية المنظمة او العقائدية حتى يصل التعصب بقيادته الى مشارف الحرب الاهلية ولنا ادلة واقعية في عالمنا المعاصر في دول عديدة او هي على شفا ذلك .
(الاتهام بالتعصب .. يتضمن الشعور بالتعصب )
يستخدم اطباء النفس الشعور بأنه اليقظة والوعي وهو يعتمد على سلامة اجزاء بعينها من الدماغ وبخاصة بعض اجزاء اللحاء المخي والتكوين الشبكي ، اما التحليل النفسي فيرى ان الشعور هي مجموعة وظائف نظام "الإدراك – الشعور" وهو يدل على كيفية العملية العقلية تبعاً للشعور او عدم الشعور بها. اما كلمة الشعور كمصطلح فهي معبرة عن هذه الحالة او تلك كما وردت في موسوعة علم النفس والتحليل النفسي . ان ما يهمنا هو كيف يتضمن الاتهام بالتعصب من شخص ما تجاه شخص آخر بأنه متعصب ، هذا الاتهام ينبع منه شعور بالتعصب اسقطة الاول على الثاني وهو في الحقيقة اسقاط الكراهية على الشخص الآخر"المنافس" ( الاسقاط : اصطلاح يقصد به إلصاق صفة ذاتية بشخص آخر تفادياً من رؤيتها في الذات)
ان اي شخص يتهم شخصا آخر بانه متعصب هو دليل على ان الشخص يحمل مشاعر التعصب في حنايا نفسه وهو يحمل بذور المرض العقلي وخصوصا في موضوع التعصب الديني وان هذا الشخص يحمل في حنايا نفسه كل محرضات ودوافع الكراهية نحو الاخرين .لذا فان التعصب والشعوربه يقود صاحبه ليتخذ درعا يتقي به شر الاخرين من الناس مهما كان دينهم او مذهبهم لذا فهو اتخذ من التعصب وسيلة للدفاع عن النفس والتوحد بالمذهب او الطائفة دفاعا به حب الذات وكارها للاخرين . فكل متعصب مريض وكل متعصب سادي وكل من يتهم الاخر بالتعصب تنم عن ذاته مشاعر التعصب.